
قد يبدو البلع عملية تلقائية لا تستدعي التفكير، لكن الواقع أن الطريقة التي نبلع بها لها أثر كبير على صحة الفم، نمو الوجه، وتوازن عضلات الرأس والرقبة. البلع غير السليم (abnormal swallowing أو tongue thrust swallowing) هو نمط شائع يمكن أن يؤثر سلبًا على نمو الفكين، وضعية الأسنان، التنفس، وحتى النطق.
ما هو البلع غير السليم؟
البلع غير السليم هو نمط بلع غير وظيفي، حيث يدفع الشخص لسانه إلى الأمام أو بين الأسنان خلال عملية البلع، بدلًا من أن يتجه اللسان إلى الأعلى والخلف باتجاه الحنك كما في النمط السليم.
الأنماط الشائعة:
- دفع اللسان للأمام (Tongue thrust)
- استخدام عضلات الشفتين والوجه للمساعدة في البلع
- إبقاء الفم مفتوحًا أثناء البلع أو التنفس
لماذا يحدث البلع غير السليم؟
الأسباب المحتملة تشمل:
- مص الإصبع أو اللهاية لفترة طويلة بعد عمر السنتين
- التنفس الفموي المزمن بسبب تضخم اللوزتين أو اللحمية
- مشاكل عضلية أو عصبية تؤثر على تنسيق عضلات اللسان والفم
- عدم الرضاعة الطبيعية أو الفطام المبكر
- خلل في الإطباق أو سوء تموضع الأسنان
ما تأثير البلع غير السليم على الوجه والفم؟
ولماذا يؤثر البلع على شكل وجه الطفل أو نمو فمه وأسنانِه؟
البلع ليس مجرد حركة داخلية، بل هو فعل عضلي يتكرر من 800 إلى 2000 مرة يوميًا! وهذا التكرار يجعل أي خلل في نمط البلع يترك أثرًا مستمرًا على العظام والعضلات في الوجه والفك.
1. سوء الإطباق (Malocclusion):
عند البلع السليم، يكون اللسان في الأعلى ويدفع الطعام إلى الخلف. لكن في البلع غير السليم، يدفع اللسان إلى الأمام أو بين الأسنان، وهذا يولد ضغطًا متكررًا على الأسنان الأمامية، يؤدي إلى:
- العضة المفتوحة الأمامية (open bite): لا تلتقي الأسنان الأمامية عند الإغلاق، مما يصعّب العض والمضغ.
- بروز الأسنان العلوية: نتيجة ضغط اللسان المستمر من الداخل، تندفع القواطع العلوية إلى الخارج.
- تزاحم الأسنان أو تباعدها: لأن حركة اللسان تؤثر على اصطفاف الأسنان باستمرار.
تخيل أن اللسان هو “عضلة قوية” تضغط بشكل خاطئ على الأسنان مئات المرات يوميًا، مما يغير مواضعها ببطء ولكن بثبات.
المصدر Association Between Tongue Thrusting Habit And Malocclusion: A Retrospective Study
2. ضيق الحنك أو توقف نمو الفك العلوي:
اللسان السليم خلال الراحة والبلع يعمل كـ”قالب طبيعي” لتوسيع الحنك. فعندما يضغط اللسان على سقف الفم (الحنك)، يحفز نمو الفك العلوي أفقيًا (عرضيًا).
أما في حالات البلع غير السليم، حيث يكون اللسان منخفضًا أو متجهًا للأمام:
- يفقد الحنك هذا الضغط الطبيعي.
- يصبح الحنك ضيقًا ومرتفعًا.
- يؤدي إلى تراكب الأسنان، انسداد في التنفس، وحاجة محتملة لتوسيع الفك تقويميًا.
الحنك يتشكّل وينمو جزئيًا بفضل وجود اللسان فيه. عندما يغيب اللسان عن مكانه، يتوقف النمو أو يتشوّه.
3. تغير ملامح الوجه (Long face syndrome):
عند التنفس الفموي أو وجود بلع غير سليم، يكون الفم مفتوحًا أغلب الوقت. هذا يؤدي إلى:
- ارتخاء عضلات الفم والشفاه.
- استطالة الوجه عموديًا بسبب النمو المتزايد للأسفل بدلًا من الأمام.
- وضعية رأس مائلة إلى الأمام لتحسين التنفس.
- مظهر وجه تعبيري ضعيف، و”فك طويل ضيق”.
الوجه لا يتشكل بالجينات فقط، بل بحركة العضلات وتوزيع الضغط المستمر – وعادة الفم المفتوح تؤثر على هذا التوازن.
4. صعوبات في النطق (Speech difficulties):
النطق السليم يتطلب تحكمًا دقيقًا بوضعية اللسان، خصوصًا عند نطق أصوات مثل /س/، /ت/، /ز/. في حالة دفع اللسان:
- يتحرك اللسان للأمام بشكل مفرط أثناء الكلام.
- يتم نطق الأصوات بصوت “مبلل” أو مشوش.
- يحدث خلط بين بعض الأصوات أو تأخير في تطور النطق الطبيعي.
كأنك تستخدم أداة في الاتجاه الخطأ: اللسان يجب أن يدفع الصوت للأعلى والخلف، لا للأمام والخارج.
5.مشاكل المفصل الفكي الصدغي (TMJ disorders):
عندما يكون البلع غير سليم، يستخدم الطفل أو البالغ عضلات الوجه بطريقة خاطئة، مثل:
- شدّ الشفاه أو عضلات الفك لمساعدة اللسان.
- تحريك الفك السفلي بشكل غير متوازن أثناء البلع.
مع الوقت، هذا التكرار يؤثر على:
- المفصل الفكي الصدغي الذي يربط الفك بالجمجمة.
- يسبب ألمًا، صداعًا، طقطقة، أو صعوبة في المضغ.
حركة بسيطة خاطئة، عندما تتكرر مئات المرات يوميًا، تؤدي إلى إرهاق المفاصل الدقيقة في الوجه.
المصدر pubmed./
خلاصة
البلع غير السليم ليس مجرد عادة فموية سيئة، بل هو نمط عضلي متكرر يمكنه:
- تغيير شكل الفك
- إعاقة التنفس
- التأثير على النطق
- تشويه اصطفاف الأسنان
- وحتى التأثير على ملامح الوجه بشكل دائم
لذلك، من المهم تصحيحه مبكرًا، خصوصًا عند الأطفال، لتفادي تدخلات جراحية أو تقويمية لاحقًا.
https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/tongue-thrust
كيف نُعلّم المريض البلع السليم؟
خطوات تدريبية مبسطة (Myofunctional therapy):
- وضعية اللسان في الراحة:
- راقب أن يكون اللسان مستقرًا على الحنك (وراء الأسنان العلوية دون ملامستها).
- الفم مغلق، التنفس من الأنف.
- البلع السليم:
- اجعل المريض يضع طرف لسانه على الحنك خلف الأسنان الأمامية.
- يبلع اللعاب دون تحريك الشفتين أو استخدام عضلات الوجه.
- يساعد وضع قطعة صغيرة من ورق الأكل على اللسان (للتدريب) للتأكد من صحة البلع.
- تمارين دعم:
- تمرين رفع اللسان للحافة العلوية.
- تمارين الشفاه لتقويتها.
- مص الملعقة أو استخدام مصاصة بشكل موجه.
- تصحيح العادات المرافقة:
- وقف مص الإصبع أو التنفس الفموي.
- المتابعة مع أخصائي أنف وأذن أو تقويم أسنان عند الحاجة.
نصائح للأطباء والمعالجين
- ابدأ بشرح مبسط للمريض أو الأهل: أن البلع السليم يشبه إغلاق باب بشكل ناعم، بينما البلع غير السليم يدفعه للخارج.
- استخدم المرآة، الصور، أو المقاطع التوضيحية أثناء التمرين.
- خصص جلسات متابعة لتقييم التحسن.
- اجعل التدريب مرحًا للأطفال عبر الألعاب والرسوم المتحركة.
Impact-of-Oral-Myofunctional-Therapy-on-Orofacial
خاتمة
البلع السليم ليس مجرد مهارة فموية، بل هو مفتاح لصحة فموية ووجهية متكاملة. تعليم المرضى هذا السلوك الوقائي يمكن أن يغير نمو الفكين، يقي من الحاجة لتدخلات تقويمية لاحقة، ويُحسّن النطق والتنفس. في المركز الأوروبي لطب الأسنان يوصي د. مهند الكسواني دائمًا باتباع الطرق الصحيحة لتصحيح البلع غير السليم لتفادي الإجراءات الحرجة لاحقًا؛ مدركًا أهمية البلع السليم في تعزيز صحة الفم، والتأثير في شكل الفك والوجه.